القسوة الرقيقة التي نحتاجها لتصحيح ونقد بعض المفاهيم التي اجتاحها التعميم والتمييع، وتلك المجاملات التي نصرفها بلا حسيب أو رقيب لكل ما حولنا دون الرجوع لسلطة المعايير، فقط خوفاً من الهجوم علينا أو أن نفقد المؤيدين لنا، والواقع أن أي ظاهرة حولنا لا يعني رفضها أو إجازتها ولا يعني رفض من قام بها ولكن هي بمثابة الأداة التي تضع أبعادا لكل ما يحيط بنا وتفسر ما جهلناه أو توجسنا منه، يقول شكسبير في مسرحية هاملت: “لا بد أن أكون قاسياَ، فقط لأكون حنوناً”.
فالنقد وتفسير الظواهر من حولنا سلطة لا يمكن الاستهانة بها وهي تجربة تصنع شكلا آخر للإنسان وتؤثر على الآخرين، إلا أننا ما زلنا نتأرجح في عالم الخوف من الرفض ومحكومين بقوانين ومحاطين بأطر وسياج وضعناها أمامنا لتقييدنا، فأصبحنا مستنسخين نتشابه في الطرح والأفكار وهذا معناه أن ناقوس الخطر يدق، حيث إن فضاء الحياة لم يعد يتسع لتفردنا وثمة شيء يعيق نمونا ويخنقنا، فالإنسان لا تزدهر حياته وأفكاره وتتضح رؤاه إلا في بيئة صحية تصوغها مجموعة من التجارب الصغيرة المتراكمة التي تنامت عبر الزمن وشكلها الاحتكاك بالآخرين والاختلاف الذي يصنع النضج والنقد البناء والمعايير التي توحد نظرتنا لكل ما حولنا وتجعلنا نستوضح كل ما من شأنه سلامة علاقاتنا ومجتمعنا، وفي حياتنا الاجتماعية عندما نعلن الانتماء إلى فضاء الآخرين تتجلى لنا صورة تفتح ستائرها عن نوافذ المحدودية، إلى أفق بلا حدود، يقول فرانك كلارك: “النقد مثل المطر ينبغي أن يكون يسيراً بما يكفي ليغذي نمو الإنسان دون أن يدمر جذوره”.
فنحن نحتاج للنقد حاجتنا للعطاء والحقيقة، إن المراقبة الذاتية بمعنى “نقد الذات” ومراقبتها تحتاج إلى تعويد من الصغر حتى يتم تقبلنا للنقد بشكله السليم، فنحن تعودنا أن نخاف من النقد ووصلنا إلى مرحلة أننا نقبل كل شيء حولنا دون تمحيص خوفاً من النقد، فبعدنا عن التأمل الداخلي لأنفسنا ولمن حولنا جعلنا في حالة دفاع دائم دون تعقل، وكما يقول أمين مرسي: “النقد هو حامل أمين لكل مواريث التاريخ، ولكل ملامح الحاضر، ولكل عوامل تشكيل المستقبل”.