كان الفن منذ الأزل الغلاف الذي يؤطر به الإنسان قضاياه وأسئلته الوجودية، فقام بصناعة أدوات تحفظ موروثه الثقافي والفكري، وجاء الشعر متهادياً شفهياً تلتقطه الأذن قبل العين، ثم جاءت الكلمة التي تصور وتعبر عن مكنونات الإنسان، ثم التعبير الجسدي متمثلاً بالرقص، ثم الرسم والنحت وغيرها من الفنون التي اجتمعت لتساعد هذا الإنسان على تحمل قسوة الحياة، فبالفن تتوحد مشاعر البشر وتتواصل عبر لغة بصرية سمعية حسية، فتلغي جميع المسافات بين البشر، وتتخطى حواجز الزمن، وننظر لبعضنا كماضٍ يمتد عبره مضارع الزمن ويحكمه أمر الواقع الجاري، فما من إنسان في هذا الوجود إلا وطغى عليه الإحساس بالموجودات والكائنات، فيعبر عن إعجابه ودهشته إما بصوت جميل أو برسم بديع أو موسيقى حالمة أو رسالة من فنان يجسدها بتمثيل الواقع وقضاياه ومشكلاته، ولا يمكن تجاهل أننا لطالما حاكمنا الفنون باسم المفاهيم والقيم والخروج عن المألوف إلى اللامألوف، فالتاريخ شاهد على بدايات الفن، ولعل أقدمها وأقربها للناس هو المسرح، فقيمته الفنية بدأت مع إنسان ما قبل الميلاد، حيث بدايته كانت من الرقص، فالإنسان القديم كان يعبر بكل بدائية عن فرحه وحزنه وانتصاراته بالرقص، وعلى هذا الأساس تطور الرقص فأصبح وسيلة وشعاراً لبعض القبائل والشعوب لكي يطلبوا من الآلهة بركتها، أما التمثيل فـيعتمد على التجسيد أي إعطاء أكثر من بعد للشخصية المقدمة، والتمثيل اشتق من صنع التمثال ونحته وتفاصيله، وكان الروسي “ستانسلافسكي” أول من وضع نهج الممثل وملامحه الحقيقة، وكتابه “إعداد الممثل” وغيره من مؤلفاته أساسيات يصعب على أي ممثل الاستغناء عنها “وكما يطلق عليها دستور الممثل”، هكذا تتنامى الفنون وتزدهر، تتعاون وتتعاضد، فالفن يخلق عوالم إبداعية، ويلعب دوراً مهماً في المجتمع، حيث يهذب النفس ويشبع الرغبات الإنسانية، لذلك الفنون هي مرآة المجتمعات ونتاج لثقافتها، وحضارات الشعوب تقاس بمدى اهتمام المجتمعات بفنونها، ففي بعض البلدان الغربية تم تقديم تاريخها من خلال الفنون، فالعلاقات تبادلية بين الفنون لأنها تحمل الكثير من القيم كقيمة الجمال والأخلاق والفضيلة وقيمة العمل والالتزام، لذلك النظرة للفنون على أنها غير أساسية وأنها مجرد ترفيه يجب أن تتغير، فهي قوى ناعمة تستطيع أن تغير نظرة العالم لنا، وتغيرنا نحو الأفضل.

جريدة الرياض