الثقافة فكر وتنوير، وهي ليست لحل المشكلات بل أداة لرفع الوعي ونشره وفهم المجتمع ومساعدته على تشكيل الوجدان الفردي والوجدان الجماعي، وهي تشكل الدافع لسلوكهم على نحو معين، كذلك توقظ الضمير الذاتي للفرد والمجتمع الذي ينتمي إليه، وهذا ما يقوم بتوجيه بوصلة السلوك للفرد أو المجتمع. والواقع أنه عند كل هزة أو أزمة يتعرض لها أي مجتمع سواء هزات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، لا بد من حدوث تغييرات في الوعي الاجتماعي. والثقافة جزء من نسيج هذه المنظومة، وعندما يتأثر عامل من هذه العوامل من الطبيعي أن يطال العناصر الأخرى التأثر أو الضرر، لذلك وجود أصوات المفكرين والمؤرخين والمخططين ومستقرئي المستقبل ضرورة للمساهمة في تحسين أوضاع المجتمعات. ويرى شليتز أن “النظرة إلى العالم هي أحد جوانب الوعي، وهي تشمل المعتقدات والافتراضات والمواقف والقيم والأفكار التي تشكل نموذجاً شاملاً للواقع، وهي تشمل أيضاً صياغات وتفسيرات الماضي والحاضر والمستقبل”، وهذا ما تقوم به الثقافة، لذلك مسؤولية المثقف المجتمعية تحتم عليه أن يكون موجوداً، ويبدي رأيه، ويثير الكثير من رياح الأسئلة، ويزيح الغبار العالق عن الكثير من مشكلاتنا، فغياب الوعي الثقافي يؤدي إلى نشوء سلوكيات ومفاهيم غريبة بين أفراد المجتمع من لا مبالاة، وعدم النظر للأمور بجدية، ويسود الفكر الواحد والأنانية وحب الذات، فكلما تمحور الإنسان حول ذاته كلما فقد بوصلته وفقد تواصله مع الآخر. ويعرّف محمد سعود العريفي الوعي بأنه “إدراك الإنسان لذاته ولما يحيط به إدراكاً مباشراً، وهو أساس كل معرفة. كما يشير الوعي إلى الفهم وسلامة الإدراك، ويقصد بهذا الإدراك إدراك الإنسان لنفسه وللبيئة المحيطة به. ولعل هذا يعني فهم الإنسان لذاته وللآخرين عند تفاعله معهم سعياً لإشباع حاجاته، وقضاء مصالحه وهو مدرك للعلاقات بينه وبين الآخرين والبيئة من خلال المواقف المختلفة”، وهذا المفهوم للوعي الثقافي مكمل لوعي الفرد الذاتيّ وهو قدرته على التفكير وإرادته الحرة في اتخاذ القرار، وما أفكارنا إلا نتيجة لسلوكنا الذي ننتهجه، فالإنسان يجب أن يكون صانعاً للثقافة وواعياً من أجل الخلق والابتكار وليس التقليد والاتباع، لذلك لا بد من غرس اتجاهات تنمي الوعي الثقافي، ولا بد من وجود استراتيجية ثقافية تنمي وعي الإنسان والمجتمع، فالفرد هو أساس كل نهضة، وتطوره وأفكاره هي ما يواجه به المجتمع ويساعده على حل مشكلاته، ولذلك ضرورة تنمية الوعي الثقافي للمجتمع يمثل الركن الأساسي لأي تنمية شاملة يسعى المجتمع لتحقيقها. لذلك فإن ضرورة تفعيل الجانب الثقافي باعتباره الجانب المضيء في الإنسان من خلال المناهج البحثية والتعليمية من أجل بناء فكرة أن الثقافة هي معادل أخلاقي وسلوكي في المجتمع وهي أساس بنائه وتحضره، وهي مخرجه من أجل أن نتطلع إلى مستقبل أفضل.

جريدة الرياض