حوار: منى حسن
ترى الكاتبة السعودية زينب إبراهيم أن المرأة السعودية المبدعة لن تستطيع أن تتجاوز همها الذاتي في الكتابة، ما لم تأخذ حقها كاملاً وينصفها المجتمع.
وزينب إبراهيم أديبة وكاتبة مقال صحافي، تُعد نموذجا للمرأة السعودية المبدعة، التي استطاعت رسم خريطة وجودها على أطلس الإبداع، رغم قيود المجتمع العربي عامةً والسعودي المحافظ خاصةً على المرأة، وحققت نجاحاتٍ لافتة على الصعيدين العملي والأدبي، بصورة هزمت بها قسوة الواقع وضغوطه، مُثبتةً أن لا أحد ينتصر للمرأة سوى المرأة نفسها بإصرارها، وتميزها العلمي والأدبي، وإبداعها الذي يجبر الآخر على احترامها والاعتراف بها إنساناً كامل الإنسانية والحقوق.
زينب إبراهيم، كاتبة وأديبة سعودية من مواليد مدينة الرياض، حاصلة على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة الملك سعود ودكتوراه الفلسفة في الإدارة التربوية تخصص إدارة تعليم عال من الجامعة نفسها. بدأت كتابة المقال الصحافي في جريدة «الجزيرة» وتكتب حاليا في جريدة «الرياض» مقالاً ضمن زاوية «ضلع أعوج». وهي عضو في لجنة السرد في النادي الأدبي في الرياض، ولها العديد من المشاركات في التلفزيون والإذاعة. صدرت لها عدة مؤلفات في مجال القصة والمقال منها: «رجل لا شرقي ولا غربي، فيروز وشوارع الرياض، حكاية بنت اسمها ثرثرة، توقيع سيدة محترمة، هاشتاق، وخاصرة الضوء». التقيناها عبر نافذة مطلةٍ على فضاءات الإبداعِ فكان هذا الحوار:
■ من هي زينب إبراهيم الأديبة والأستاذة الجامعية؟
□ إنسانة تحب الحياة، أمارس في حياتي ما أعتقد أنه صواب، تعلمت من كوني أكاديمية طريقة البحث والتفكير، وأفادتني كثيراً في الكتابة الأدبية. ليس لديّ تعريف محدد لنفسي إلا أنني أحب زينب الأديبة أكثر، لا أعلم لماذا، ربما لأن الأدب والكتابة تشكلت لديّ في سنوات عمري الأولى، فتعلمت البوح وكيفية التعبير عن مشاعري ولكنني لا أعرف السبب الحقيقي والدافع الذي يقف وراء اندفاعي لممارسة الكتابة، وستظل إجابتي قاصرة عن إدراك جوهر دوافعي للكتابة، عبَّر ماركيز بكل طرافة وشجاعة وذكاء عندما قال «أكتب حتى يحبني أصدقائي»، كذلك أبو الطيب المتنبي كان يكتب من أجل الخلود: وما الدهر إلا من رواة قصائدي، إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا. وبالنسبة لي هناك علاقة بين الكتابة والحياة فهي مصدر سعادة كبير لي، فهناك الكثير في الحياة ما يستحق أن نكتب عنه، والكتابة تُجدد الحياة.
■ بدأتِ كتابة القصة والمقال منذ سن الثامنة عشرة، كيف استفاقت الموهبة في داخلك، وكيف كانت أولى خطواتك على بساط الكتابة؟
□ بدأت أهندس وأؤثث عالمي الكتابي كأي مراهقة يأكلها ملح الطموح وتتلاشى أمام عنادها عتبات المستحيل، لم تكن الكتابة رغبة، بل كانت شغفًا يعيش بداخلي ويلتهمني كالوحش الكاسر، كان لدي قلق عميق تُفشيه الكتابة لمواجهة سطوة الاكتشاف. كنت أشعر باستلاب مقيّد نحو الكتابة، جموح خاطف، ورغبة في التلاشي في عالمها، فعندما تغرق مراهقة بحبر الكتابة ما الذي تتوقعه منها بعد أن تكبر؟ ولو كنت مكانك لطرحت هذا السؤال ما الذي تغير بعد أن كبرت؟
■ وصفتِ «الرياض» حيث ولدتِ ونشأت، بأنها مدينة التفكير بصوت عالٍ، إلى أي مدى ألهمتك الرياض وتماست مع كتاباتك؟
□ الرياض المدينة التي أحببتها، فالحب هو الشيء القدري للسعادة عند غالبية البشر، الرياض بمساحتها الكبيرة، واختناقها بالبشر ما زالت تغريني بالعيش، وينطلق ذاك التحدي المحموم من أن الحب أرض لاستثمار كل شيء فيها، ففي هذه المدينة العملاقة أجد نفسي مجرد عنصر جزئي غير متميز تحيطه هالة من الأنانية البشرية كعادة المدن الإسمنتية، فيدفعني هذا الشعور إلى محاولة الارتباط بكل ما حولي بحثاً عن الانتماء. الرياض مدينة تستعصي على الفهم تأخذها كما هي بلا تنقيح أو توضيح، هي المدينة الأثيرة وهي أكثر من ذلك.
■ بم ترتبط الكتابة لديك، التأمل أم حضور الإلهام؟
□ التأمل يحضر بعده الإلهام.
■ حالة العزلة التي يفرضها المجتمع المحافظ على المرأة السعودية هل كانت دافعا لإبداعك أم عائقا له؟
□ الإبداع حالة عقلية، وليست له علاقة بعزلة المرأة، هذه العزلة فرضتها قيود اجتماعية من عادات وتقاليد، والإبداع لا يأتي إلا من بذل الجهود والاستمرارية في العمل.
■ في نظرك، ما هي أبرز المعوِّقات التي تواجه الكتابة الإبداعية النسائية السعودية اليوم؟
□ بحكم الوضع الاجتماعي من عادات وتقاليد وكذلك الوضع التاريخي الذي أحاط بالمرأة السعودية والذي كان مُعيقًا لها وحاصرا إياها في أدوار محددة نجد أن هويتها وثقافتها، وإدراكها قد تأثرت بهذا الوضع وبالتالي حضورها الأدبي، ولا تزال الكثير من القيود تعيق إبداع المرأة السعودية، وآمل أن يتغير الوضع للأفضل.
■ هل تؤيدين أن الكتابة تمثل اعتراف الكاتب الضمني بما يدور في حياته وفكره؟
□ لا أتفق مع هذا الرأي، إحالة أي سلوك لأبطال النص إلى شخص الكاتب ظلم كبير له، فيجب أن لا ننسى مسألة التخييل في النص الأدبي.
■ ألا ترين أنه آن الأوان للأديبة السعودية أن تتجاوز الهم الذاتي في كتاباتها إلى الهم العام، وأن تتبنى طرح رؤى إنسانية دون الاقتصار على نقد المجتمع، أو تناول المسكوت عنه؟
□ لن تستطيع أن تتجاوز همها الذاتي إلا بعد أن تأخذ حقها كاملاً وينصفها المجتمع، هنا ستتصالح مع نفسها ومحيطها ومجتمعها ثم بعد ذلك ستنتقل انتقالا طبيعيا إلى مرحلة أخرى في الكتابة والهم الكتابي.
■ لك تجربة طويلة في كتابة المقــال الصحافي، فـــمـــا هي أهم مقومات كتابة المقال الصحافي، وهـــــــل ترين أن من ضمنها امتلاك الصحافي أدوات الأديب اللغوية والتعبيرية؟
□ في جغرافيا كتابة المقالة، ما أكتبة لا يخلو من أفكار تحمل قضايا وهموما وحالات إنسانية، وإن كانت لا تطرح حلولاً فهي في الأغلب قد تشير إليها، فالكتابة رسالة وتذوق ومتعة وانطلاق، وأكتب مستقلة عن كوني امرأة ، ففي كتابة المقالة قد تتحول إلى ناقد سياسي، محلل اجتماعي أو ناقد ثقافي، فهي عملية تعبير عن صوت الآخر، لكن لابد من تبني مواقف ثقافية، يكفي طرح أفكار فقط، فلغة الانفتاح عالية جدا في عالمنا اليوم، لذلك يجب استغلال هذه النقطة فيه. وهُناك قاعدة مشهورة في العمل الصحافي تقول: «إن الخبر مُقدّس والتعليق حُرْ»، وهذا يعني أن كاتب المقال حُر حرية مطلقة في التعبير عن رأيه ووجهة نظره. والمقال يجب أن يحتوي على العديد من العناصر، وهي الفكرة، والهدف من المقال، واللغة والأسلوب، وليس بالضرورة امتلاك الصحافي أدوات الأديب اللغوية والتعبيرية، فلغة المقال الصحافي هي وسط بين لغة المقال الأدبي، ولغة المقال العلمي، بالإضافة إلى آراء الكاتب ممزوجاً بثقافته، فلغة المقال هي لغة الناس والشارع التي يفهمها الجميع. إلا أن تجربة كتابة المقال هي تجربة أصعب من تجربة الكتابة في الفنون الصحافية الأخرى التي تعتمد بدرجة أكبر على المعلومات التي يتم تجميعها والوصول إليها من مصادرها المختلفة.
■ هل ترين أنه ما زال للقصة جمهورها في ظل هذا الانفجار الروائي- إن صحت التسمية؟
□ بالتأكيد، ولكنها لم تأخذ حقها كجنس أدبي سلس ولطيف وغير ممل، وأعتقد أن هناك الكثير من المهام التي يجب أن يقوم بها القاص لمحاولة فهم وبناء هوية القصة التي تآكلت بفعل طغيان الرواية.
■ كيف تنظرين إلى المثقف/ـة السعودي، هل هو عنصر مؤثر في المجتمع، أم مؤدلج ضمن فكر لا يتجرأ على كسر حواجزه؟
□ المثقف/ـة السعودي، لا يستطع أن يكون عنصرا مؤثرا لوحده، فالتأثير الثقافي يتطلب مشروعاً وطنياً يحتوي على عناصر مختلفة، وله رؤية وأهداف واضحة، وأتفق أن هناك شريحة من المثقفين المؤدلجين ضمن فكر معين، والبعض ينشر أخلاق السوق، وهناك مثقف ملتزم بقضايا مجتمعه، وبسبب كبر وضخامة التحولات في سوق الثقافة والتجارة الإعلامية التجارية، أصبح المثقف ليس ملك نفسه، بل ملكا لهذه المؤسسات التي تهيمن على السوق.
■ حدثينا عن عناوين مشاريعك الكتابية المقبلة؟
□ المشاريع الكتابية كثيرة فأنا غزيرة الإنتاج، إلا أنني بعد انتهائي من كتابة روايتي الأولى سأتوقف «استراحة محارب» لألتقط أنفاسي ثم أعاود نشاطاتي.
جريدة القدس العربي 17 يناير 2017