مجلة أحوال المعرفة تحاور الدكتورة زينب الخضيري

 

 

 

 

 

 

 

الدكتورة زينب الخضيري: أدب الخيال العلمي مدخلٌ لإعداد الموهوبين

 

  • المتأمل في تاريخ التأليف والإبداع المعرفي يجد عدداً من المؤلفات والأعمال الخالدة، التي تلقاها النّاس بالقبول والإعجاب.
  • التحولات المتسارعة التي تمر بها المملكة ما هي إلا إرهاصات لخروج مشاريع فكرية جديدة تواكب المرحلة.
  • يجب ان نعيد قراءة واقعنا استجابةً للتحدّيات الجديدة التي تتميّز بالتحوّل المتسارع من حولنا

حوار محمود ديب

الدكتورة زينب الخضيري من المبدعين القلائل الذين لديهم أحلام لمشاريع أدبية وثقافية كبرى، تحقق الكثير من أحلامها على أرض الواقع، ومن بين هذه الاحلام “بيت الرواية” و “رفيف الكتب”، ومازالت بعض أحلامها تركض باتجاه التحقيق، الدكتورة زينب الخضيري كاتبة وروائية ومثقفة من طراز خاص بالإضافة إلى أنها تشغل منصب رئيسة مبادرة التفرغ الثقافي بوزارة الثقافة

 

  • من وجهة نظرك ماذا تعني كلمة الحداثة السائلة؟ وهل هو مصطلح له وجاهته؟

 

هي نظرية شرحها وتناولها عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان

في كتابه “الحداثة السائلة “, باومان له سلسلة كتب ومن ضمنها هذا الكتاب، تناول فيه الحداثة وتحولها من الشكل الصلب الى السائل، فهو ينظر الى عصر السيولة بأنه عصر اللايقين واللا استقرار، ووصف هذه المرحلة بالسيولة “لما لها من سرعة في التحول وإعادة التحول بين أنماطٍ لا تكاد تثبت حتى تعاود سيولتها” وهذه التحولات السريعة لا يمكن القبض عليها أو تجاهلها، لذلك يأتي علم الاجتماع ليكون داخل الوضع الإنساني ليجعله قابلاً للفهم. وهو مصطلح بالتأكيد له وجاهته فهو يساعد في فهم حركة تحول المجتمعات.   

 

  • طالبتِ بتدريس أدب الخيال العلمي في الجامعات والمدارس، فما هي الفوائد التي يمكن أن تتحقق جراء تدريس الخيال العلمي؟

أدب الخيال العلمي هو مدخل لإعداد الموهوبين في جميع المجالات، والاهتمام بتنمية الخيال العلمي يجعل عملية التعلم تصل للإبداع، وهذا ما نحتاجه في التربية الحديثة، فلماذا ندع ملكة الخيال لدى أبنائنا تموت في حين أن العالم يستثمر هذه العقول للتنبؤ بما سيحصل له وعليه في المستقبل. ففي ظل الخيال ينمو الخيال والتخييل، وترك العقل مفتوحاً أمام كل جديد مطلب بسيط أمام ارتباك العالم، فمثلاً الأديب موبسان ملك نوع من التبصر الى درجة عظيمة حيث استحوذت عليه الخصوصيات البشرية بدقة المصور العظيم. ايضاً رواية نبورومانسر، لويليام جيسون، وهي من اعظم الروايات في العالم تم نشرها عام 1984م، هذه الرواية كان لها السبق في الحديث عن شبكة الانترنت، وكانت مصدر الهام للكثير من الأفكار والمشاريع.

  • ما السر في أن المثقف دائماً ما يتلازم معه التذمر والشكوى، ومتى يتخلص من هذه الصفات؟

هذه ليست صفة متلازمة للمثقف فقط هي صفة بشرية ولكن المثقف مسلط عليه الضوء، وعندما تكثر التحديات حول الانسان ويكون عاجز عن مواجهتها يلجأ للشكوى كميانيزم دفاعي ضد ضعفه وعدم قدرته علي المواجهة، يقول (ستيفنز هوكنز) “الناس لا يمنحون وقتهم لمن هو غاضب أو متشكي”، لذلك الإحساس بعدم العدالة قد يولد الغضب والتذمر والشكوى، وكيف يتخلص منها انا لست طبيب نفسي ولا مصلح اجتماعي ولكن وضع هدف معين وتحقيقه قد يشبع الانسان نفسياً ويشغله عن التذمر.

 

  • هل هناك مثقف حقيقي ومثقف غير حقيقي؟ وهل تجدين وجاهة للتفرقة بين المثقف والمثقفة أم كلاهما واحد؟

لا اتفق مع هذا …. الواقع أنه يوجد مثقف لديه مشروع وآخر لا يوجد لديه مشروع ولا فرق بين المثقف والمثقفة فالعمل الجاد يفرض نفسه.

 

  • هل تعتقدي أن التحولات المتسارعة التي تحدث في المملكة، المثقف قادر على مواكبته أكثر من الشخص العادي أم ربما تحدث المفارقة، أن يتكيف معها المواطن العادي ويبقى بعض المثقفين دون مراوحة لمكانهم؟

 

هذه التحولات ماهي إلا ارهاصات لخروج مشاريع فكرية جديدة تواكب المرحلة، ويجب أن نعيد قراءةَ واقعنا استجابةً للتحدّيات الجديدة التي تتميّز بالتحوّل المتسارع من حولنا، والآن دور المثقف بات أصعب لملاحقة كل جديد حوله، فنحن نحتاج لإدارة الاختلاف والوعي بالتعدّديّة، والايمان بأهمية الحوار

 فالسفر الثقافي بمعني انتقاله من إيديولوجيا الى أخرى ومن مفهوم فلسفي الى آخر ومن بحث الى استنتاج لإيجاد مفاهيم تؤصل وتشرح كل تغير وحراك نعيشه، ولا أستطيع الجزم بموقف المثقف مما يحصل حوله فالمثقفون مختلفون وبينهم تباين جلي ولا أستطيع التنبؤ بما يفكرون به.

 

 

  • هل ستنجح وزارة الثقافة في نقل العمل الابداعي من الفردية إلى الجماعية أو المؤسسة، رغم أن كثيراً من المشاريع الثقافية الكبرى التي أبدعها العقل العربي أكاد أجزم أن أغلبها فردي؟

 

نحن نحتاج إلى الكثير من الجهود الصادقة، والايمان بأنفسنا وبمشاريعنا، وحسب ما اطلعت عليه واطلع عليه غيري في وزارة الثقافة هناك العديد من المشاريع والمبادرات الثقافية التي تجمع كل جهود المبدعين في شتى المجالات الإبداعية والفنية وتخدمهم، والعمل المؤسسي في وزارة الثقافة هو ما سيوحد الجهود، وأنا لست متحدث رسمي باسم الوزارة، أنا فقط ممارس للثقافة ومنتج وأتمنى أن يكون هناك تسهيلات للمثقف والمبدع لكي يستطيع ان يستمر بالإبداع والإنتاج , وليس لدي أي إحصاءات او تقارير حتى استطيع التنبؤ بمدى نجاح الوزارة، ولكني متفائلة بها وبقيادة وزير الثقافة الأمير بدر الفرحان آل سعود، ونحن نحتاج الى وقت وصبر حتى تثمر مشاريع الوزارة، وما علينا الا الصبر والانتظار.

 

  • ما هي أحدث مشاريعك الابداعية؟

 افتتحت مشروع “بيت الرواية” وهي مشروع رؤيته تعني بالرواية ابداعاً ونقداً على المستويين المحلي والعربي، ويعزز الاهتمام بالرواية محلياً وعربياً من خلال عقد الندوات والمحاضرات وورش العمل واللقاءات الحية ومتابعة ما يستجد علي المستويين الإبداعي والنقدي، وتسلط الضوء على النماذج الروائية وتحولاتها في المملكة العربية السعودية، وتهتم بالاتجاهات التجريبية الجديدة للرواية العربية، وقراءة الرواية بوصفها نصاً ابداعياً وثقافياً في الوقت نفسه، ومتابعة الاتجاهات النقدية الحديثة للرواية العربية، وتهتم بانفتاح الرواية على الاجناس الأدبية الأخرى، أيضاً عمل ورش لتعليم كتابة الرواية بجميع مستوياتها ومراحلها، وورش لكيفية  تحويل الرواية إلى سيناريو. أما بالنسبة للمشاريع الخاصة فلدي رواية جديدة، وكتاب آخر أشتغل عليه الآن.

  • يتعجب المتابع لحسابك على تويتر ما شاء الله اكتنازه بثراء ثقافي مترع، يدعو للتعجب لكثرة قراءتك وكيف تنظمين وقتك رغم كثرة مشاغلك؟ وهل يطغى ذلك على حياتك الأسرية؟

 

دعني أطلعك على بعض التفاصيل الصغيرة، نحن في الحياة نواجه خيارات متعددة ولحظات مثيرة، وهذه اللحظات لا تأتي في مكانها الحقيقي عندما يتعلق الأمر في الفضاء الافتراضي، فالتواجد هناك مختلف تماماً وغالباً لا يعكس الصورة الحقيقية عنك، ولكن كان اكثر مسألة تشغلني هي كيف يمكن ان استفيد من وسائل التواصل الاجتماعي وكيف اوازن بين حياتي الواقعية وحياتي الافتراضية وأجعلها اقرب للواقع، كنت أمسك برأسي وأقول “لا استطيع” ولكن مع مرور الوقت تحسنت علاقتي مع وسائل التواصل الاجتماعي وبدأت اتوازن فيها، وأنا متواجدة على الفيس بوك والاستجرام والسناب تشات والتويتر، أحياناً هناك من ينوب عني في كتابة التغريدات أو وضع محتوي معين نظراً لسفري الكثير واشغالي المتعددة، ولا استطيع أن اتواجد دائماً هذا محال فالإبداع يحتاج للتركيز وسؤالك محدد عن تويتر ما هو الا انعكاس لجزء منك ومن حياتك، وهذه هي أنا مليئة بالقراءات والحوارات والأفكار الجديدة، والتويتر قناة تواصل تخبر الآخر بالقليل عنك أو ماذا تريد أن تخبر الآخرين عنك وعن نشاطاتك في أي مجال أنت سواء ثقافي ابداعي اقتصادي وغيره، والتوازن في الحياة يحتاج إلى إدارة وقت أعتقد أنني جيدة في إدارة وقتي.

 

  • بالنسبة لتعيينك رئيسة مبادرة التفرغ الثقافي

مبادرة التفرغ الثقافي ماهي إلا إحياء لفكرة التفرغ الثقافي التي انتجت أمهات الكتب في الماضي، والمتأمل في تاريخ التأليف والإبداع المعرفي عموماً يجد أن هناك عددا من المؤلفات والأعمال الخالدة والتي تلقاها النّاس بالقبول والإعجاب والإشادة كانت نتيجةً للتفرّغ الثقافي بمعناه الواسع:

 مقدمة ابن خلدون الشهيرة، والتي حفل بها الشرق والغرب، وترجمت لأكثر لغات العالم، ودُرّست في أعرق جامعات العالم، وكُتب عنها آلاف الدراسات العربية والأجنبيّة، كانت نتيجة للتفرّغ الثقافي، حيث تذكر المصادر التي ترجمت لابن خلدون أنه تفرّغ واعتزل الناس ومكث في مغارة تاغزوت بالجزائر خمسة أشهر تقريباً وخرج للناس بهذا الكتاب البديع، وقد أصبحت تلك المغارة مزاراً لعشاق التراث الخلدوني من العرب والغرب، وممن زارها المستشرق جاك بيرك.

أيضاً كتاب “التحرير والتنوير” للعلاّمة ابن عاشور التونسي، هذا الكتاب الذي يعد من أبدع كتب التفاسير قضى المؤلف ٣٩ سنة وهو يؤلفه. 

ويجب أن أذكر كتاب “الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني”، الموسوعة الأدبية الحافلة والشهيرة، والتي أصبحت مرجعاً لا يستغنى عنه لكل من يدرسُ الأدب العربي، قضى المؤلف في جمع مادتها ٤٠ سنة، كذلك “المفصل في تاريخ العرب الإسلام”، أهم دراسة كُتبت في هذا الموضوع، قضى المؤلف في تأليفها ٣٠ سنة.

وهناك شيء جميل جداً وربما معلومة غير متداولة كثيراً وهي أن النشيدُ الوطنيُ السعودي الذي يردده أولادنا كل صباح، ولد نتيجة تفرغٍ ثقافي، وقصة ذلك باختصار أن الملك خالد رحمه الله زار مصر أيام السادات، وفي عرضٍ هناك أُلقيَ النشيد الوطني المصري (بلادي بلادي) الذي كتبه سيّد درويش فأُعجب به الملك خالد وطلب من وزير الإعلام آنذاك محمد عبده يماني أن يبحث عن شاعر يكتب نشيداً وطنياً فوقع الاختيار على الشاعر السعودي إبراهيم خفاجي ومكث (ستة أشهر) يكتب رائعته الخالدة: سارعي للمجد والعلياء!

لذلك مبادرة التفرغ الثقافي ماهي إلا إعادة لصياغة هذا التفرغ وفق أطر ومعايير وتسهيل للمبدعين لإنتاج ابداع متميز.

0 0 votes
Article Rating
الإشتراك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x
للأعلى