الأدب هو نقد الحياة «ماثيو أرنولد».
أشعر بمودة فاضحة تجاه الأدب لأني أجد هناك من يشبهني، فنحن البشر متشابهون وتواقون إلى أن يرانا غيرنا كما نحن وعلى طبيعتنا وفطرتنا البسيطة، فالأدب يتماهى مع الحياة اليومية والواقع، ويجعل الإنسان يتعامل مع تجارب مختلفة وفريدة، والقارئ للكتب المختصة بالسرد من قصة ورواية يصبح كمن ينخرط في الحديث مع عدة أشخاص مختلفين كلٌ على حدة؛ حول قضايا وأفكار عميقة كثيرة، وكمن يتعرف على شخصيات جديدة، خيّرة وشريرة، لطيفة متسامحة، أو حاقدة وبائسة، ثم يتلمس المدخل إلى وعينا وكينونتنا بطريقة مدهشة، ويعطينا قدرة جديدة على التواصل مع بشر مختلفين، وشكلاً مختلفاً للعلاقات والمشاعر الإنسانية.
عندما أقرأ كتاباً من كتب السرد تلفني غيمة من الأسئلة السابرة في فضاء الإبداع والكتابة، أحياناً تستعصي على الإجابة، فلا يمكن للجواب أن يغض الطرف عن تساؤلات حول نمط الإبداع الذي يستلزمه الأدب، ومع من يتماهى الإبداع؟ نشهد أكثر ازدهاراً التمركز لوسائل إنتاج الثقافة سواء عبر الإعلام الجديد أو الكلاسيكي، فتشرق الحاجة إلى بناء خط نقدي عالي الاحترافية في مواجهة هيمنة الإنتاج الغزير، وتصنيع الإبداع عبارة عن تشكيل ذهني لساكن المجتمع الجديد ذي الرقابة المرنة، ولكن للأسف في لائحة الكتب الكثيرة هناك يضيع الجيد وسط الرديء لعدم وجود من يثمّن البضاعة، فالكتابة بجميع صورها وفنونها تبحث عن صيغة للنقد لتدفعها للأمام فيتكون بناء سيمفوني متناغم. ويشير إدوارد سعيد إلى أن النقد الثقافي له وظائف، ومن وظائفه التركيز على أنظمة الخطاب، وأنظمة الإفصاح النصوصي، كما هي لدى بارت ودريدا وفوكو، والكشف عن العنصر النسقي الذي يمثل عنصراً مبدئياً في آليات النقد الثقافي، وتحرير الواقع الثقافي من التشدد والأحادية، والنقد الثقافي من أهم الظواهر الأدبية التي رافقت ما بعد الحداثة في مجال الأدب والنقد، ويعنى النقد الثقافي بالمؤلف، والسياق، والمقصدية، والقارئ، والناقد. لذلك هو نقد أيديولوجي وفكري وعقائدي، وهذا يسهم في معرفة واستنطاق الحالة الثقافية في المجتمع وسبر أغوارها والتوجهات الحالية والتنبؤ بتوجهاتها المستقبلية.
وهذا الفعل الثقافي حري بنا أن نعزز حضوره ليتم التجانس والتماهي مع مجريات الواقع، ولكن في هذا التخبط الإنساني الذي نعيشه نريد من النقد أن يشخص علّة ضعفنا الثقافي، فكل الأوجاع نستطيع أن نمتصها عندما نعبر صدر كتاب جيّد.