هل جربت ذلك النوع من الكتب التي لا تهتم بأخبار السياسة أو الاقتصاد وأسعار البورصة وأخبار الفن والفنانين، تكون بعيدة عن العالم الخارجي وقريبة من يومياتك؟، هل جربت أن تركز على تفاصيلك الصغيرة وأشيائك البسيطة؟، وهل تظل تبحث عن فكرة تخطفك من واقعك وروتينك اليومي؟، هل حاولت أن تركز مرة على عالم الطعام، هذا العالم الموازي الشديد الثراء بالثقافة والمتعة؟، وهل قرأت كتبا تتحدث عن الطعام بشكل أدبي فني، مثلاً.. الأطفال هل لاحظت طفلك عندما يرى صورة طعام مغرية في مجلة أو كتاب يشتهيها ويتظاهر أنه يأكلها بيديه، فالبعض يقدّر اللذة ويضع لها مساحة كبيرة في حياته وتكون تصوراته للحياة مختلفة، مثلاً قد يكون تذويب جبنة موزاريلا على النار ورؤيتها وهي تذوب بهدوء يوازي صناعة مركبة فضائية، واستنشاق رائحتها أفضل من استنشاق عطور جاليمارد الفرنسية..
هذا التقدير للذة تقدير جميل والاستمتاع بالطعام سواء بتناوله أو طبخه أو الكتابة عنه هو أحد الأشياء الأساسية في الحياة والتي تعود بنا إلى إنسانيتنا وتجعلنا نقدّر الأشياء التي نعتبرها عادية وضرورية في نفس الوقت، ولا يمكن أن أتجاوز طبيعتنا البشرية في حب المتعة والفن بجميع أشكالهما، فالكتب التي تتحدث عن الطعام تمثل قمة النكهة، والأدب بشكل عام يجمّل حياتنا.. تخيل معي الآن: لو كانت الكتب طعاماً؛ أيهما تفضل الكتب الدسمة المليئة بالمعلومات والحقائق والأرقام والتي تهتم بالتاريخ والحضارات والفلسفة، أم الكتب الخفيفة التي تتحدث عن السفر والرحلات والفنون والمتعة في الحياة؟، فكلها تندرج تحت الذائقة والتوجه، ونحن غالباً ننظر للكتب بشكل مجازي كوجبة نستمتع بها، ولكن في الواقع الأدب بشكل عام تحدث عن الطعام كأحد الموضوعات الهامشية في حياتنا والمهم وجودها، كذلك في بعض الروايات كانت الثيمة الأساسية هي الطعام، فالكتابة عن التفاصيل أثناء طبخ الطعام قد تعكس حالة نفسية للشخصية، قد ترتبط بالفرح أو الحزن أو الضيق والوحدة، وكأنها فيلم سينمائي، تبدأ الطبخ بتحضير المقادير بفرح ومتعة أثناء الطهي ونهاية سعيدة مع حزن دفين عند بدء تناول الأكل، في النهاية تجد هذا العمل جزءاً من نفسك وبعض تفاصيلك في متعة الطعام سواء طبخه أو تذوقه أو الكتابة عنه، وأعود إليكم بإعادة السؤال: لو كانت الكتب طعاماً أي نوع تفضل؟.