تمتد عيناي إلى ما وراء مشاعر من فقدوا أحداً من عائلتهم؛ أب، أم، ابن أو زوج، صديق أو زميل عمل، فتمضي في قلبي حسرة عليهم، اتحسس أوجاعهم، تساؤلاتهم، دهشتهم من كل ما يجري، لا أحد يعلم عن ماهية الفقد وحجم الهلع الذي يخلّفه الموت، وأنا اتخيل هذه الكارثة الإنسانية التي أصابتنا في 2020 مسّ قلبي وجع خفيف، فما نشهده اليوم هو شبيه بلحظة اندلاع الحرب العالمية الثانية، الكل خائف ومذعور والكل معرض للموت أو فعلاً يموت، لا يوجد تمايز بين الناس، وكأن التاريخ في أبسط صورة يعيدنا لأنفسنا ويذكرنا بمصيرنا المحتوم، يذكرنا بالفناء في لحظات تمسكنا بالحياة وانشغالنا بملذاتها، أجزم أن الأغلبية على هذه الكرة الأرضية لهم قصص هذه السنة ولكن لو يحق لي أن أتساءل عن ماهية التجارب التي ستكتب عن هذه الفترة، يا ترى هل ستكون كلها سوداوية تنبعث منها رائحة الموت، أم قصص مرعبة، قد تكون في بعضها طريفة؟ ولكن الأكيد أنها ستمر ونعود لحياتنا بعد كمون دام أشهر عديدة، ولكن لحظة من التفكير والتأمل ستكشف لنا عن لا وعينا وماذا نريد، عن الحكمة الإلهية في كل ما حدث ويحدث لنا الآن، عنا نحن كيف نجتاز اختبارات الحياة، هل نجتازها بصبر ويقين، أم تذمر وقلق وشكوى؟
الحياة ليست مثالية أبداً، والبشر أيضاً ليسوا مثاليين وإن ادعى بعضهم ذلك، والتأمل لا يعني ألا يصيبك الحزن، فعندما نحزن بالتأكيد نمتلئ بالكسل والإحباط وتكون طاقتنا هي رفض كل شيء حولنا.. أحياناً يكون هناك اهتزاز طفيف يشبه حالة من اللاوعي ومضاعفة سرعة التفكير لملاحقة تسارع الحياة؛ ولكنه ليس هو الصح ولا هو الغاية التي نبتغيها، تأمل فيمن فقد هذه الفترة إنساناً عزيزاً عليه، حتماً ستتغير ظروف الحياة بشكل قد يسوء وباستمرار، ويظل كل شيء حوله يذكره بكل لحظات الفقد التي مر بها، حتى نشرات الأخبار تهرول نحو قراءة أرقام المصابين كل يوم في العالم، كيف يمكن أن تتخلص من كل هذا الحصار؟
أنا لا أقصد عدم التسليم بالقدر، فالموت هو الحقيقة الوحيدة في الحياة وهو مصيرنا المحتوم، ولكن الذي أقصده هو كيف تتعايش مع حزنك وتكمل مسيرة حياتك، فالحياة لا تنتظر أحداً، قطارها ليس له محطة يتوقف بها، هذا التساؤل الذي قده خيالي وأنا أفكر بالتمازج الإنساني الكثيف الذي يصنع الفروقات ويجعلها تخرج بثوب من الأفكار والمتغيرات.. ماذا سيكون عليه المستقبل بعد كل هذا الزلازل؟