عرفت القصة منذ أقدم العصور، وقد كانت وسلة أخبار وتسلية وتعليم وتطورت حتى وصلت إلى شكلها الحالي والتي تستطيع أن تشارك قصتك مع العالم أجمع وفي شتى اللغات، فالسرد القصصي الرقمي هو الوسيط الأحدث لمشاركة الآخرين قصتك وإبداعك، لقد بات النص الوسيط بين المبدع والمتلقي، ولا يخفى أن زمان ومكان النص من العناصر الأساسية التي تشكل العمل القصصي، ولكن ما نوع العلاقة بين الفلسفة والنص؟ وأي منهما سبق الدور المعرفي للآخر؟ وللإجابة على هذا السؤال نشير إلى أن تعاملنا مع الفلسفة هو تعامل ذاتي يخص أذهاننا وأفكارنا، أما النص القصصي فله وجود موضوعي ونعبر عنه بالشيء في ذاته، ومن ثم فالعلاقة بينهما تتحدد بالعلاقة بين الذاتي والموضوعي، لذلك من المستحيل أن يحدد الموضوعي ما هو ذاتي؛ وبمعنى آخر: إن التعامل مع النص القصصي متوقف على الارتباط بالأمر الذاتي ومن ثم الموضوعي، والعلاقة بينهما: فعل وانفعال، والفعل هو نتاج الذاتي وعليه يتحدد الانفعال الموضوعي للنص القصصي فهو بحكم طبيعة بنائه الخاص لا يستطيع إلا أن يكون محصلة للمعايير المعرفية والجمالية العامة، وكان للفلسفة تأثير كبير على الأدب، ولقد دخل فولتير عالم الإبداع من باب القصة والرواية والمسرح والفلسفة، وقد كتب الكثير في القصة الفلسفية حيث أن شهرته الأدبية ترجع اليها، وتدور وقائعها بصفة عامة في بيئة شرقية، والتي كانت عند فولتير وسيلة مهمة للتعبير عن نقده، وفلسفته وآرائه في السياسة والدين والمجتمع، وقد تجلى في قصصه فيلسوفاً حراً، وفناناً موهوباً، وهو يمزج الواقع الفرنسي الأليم بمغامرات أبطاله، وتأملاته الفلسفية، بالمخاطر والأهوال، متسللاً ـ دائماً ـ عبر أبسط حدث، ليقول ما يريد أن يقوله، وليعبر بكل حرية عن المعاناة، وينتقد الظواهر السلبية في مجتمعة، ولقد أسهم فولتير في خدمة الفن القصصي وامتاز أسلوبه بالتدفق والوضوح ولم يجد لقصصه إطاراً أفضل وأجمل من الإطار الشرقي ليصب فيه أفكاره وتأملاته، ففي كل قصة من قصصه تجد موضوعاً فلسفياً معيناً، أو مجموعة قضايا فلسفية، يربط بينها ربطاً محكماً. أما أبطاله فهم من فئات اجتماعية مختلفة، فيهم الملوك والأمراء، والقواد والفلاحون، وهم يتأملون فينعمون بقدرها، تخيب آمالهم في الحياة فيتعسون، لأنهم عاجزون عن أن يفلسفوا موقفهم، يساعدون الناس فيجزون شراً بما قدموا من خير، ويرتكبون شراً فيكافؤون شرفاً ومالاً، وهم يرقصون في الوجود الإنساني، وكأنهم دمى مشدودة إلى أصابع فولتير يحركها كيفما يشاء. وعلى الرغم من تعاطينا مع القصة الفلسفة والادب بشكل عام
إلا ان إدجار موران له رأي اتفق معه وهو أن :”الرواية في القرن التاسع عشر من بلزاك إلى موبسان، ومن زولا إلى دوستوفسكي، أعطت معرفة بالحياة الاجتماعية كانت مفقودة في الاعمال السوسيولوجية ” . وهذا ما يجعل التاريخ يرسخ في ذهن المتلقي اكثر من أي شيء آخر، بمعنى أن التاريخ يرسخ مع وجود القصة والرواية والسرد بشكل عام .