وسط استمتاعك بالحياة، وتجربة كل ملذاتها، هل فكرت في أن اكتمال الحياة يكون بالموت، وأن الموت هو حياة أخرى ولكن نجهل تفاصيلها، لطالما كان الموت أحد الموضوعات الشائك تفسيرها في كل الديانات، ولن تستطيع أن تفهم معنى الموت إلا عندما تكون تنتظره هنا تبدأ في التساؤلات مثل كوري تايلر عندما سجلت مشاعرها الغاضبة وأملها البائس في كتابها “في معنى أن تموت” ترجمة عبدالوهاب أبو زيد وهذا الكتاب صادر عن مشروع “مدّ” للترجمة الذي تقوم عليه دار أدب للنشر والتوزيع ضمن مبادرة إثراء المحتوى إحدى مبادرات مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، جاءت مذكرات تايلر كوثيقة سطرت محاولاتها في إثبات أحقية المرء وحريته في الموت، حيث المرض الذي وضعها في مهب أسئلة حائرة، مغايرة، متشظية، ومتناقضة، وجدت نفسها تتأمل عجزها بكل أسى وبؤس وتتحدث عنها كراوي خبير دون أدنى اعتبارات لأي شيء، دوّنت كل ما مر بها، واستدعت كل الشخصيات التي مرت بها من طفولتها حتى آخر لحظة بحياتها وسردت الذكريات والأسئلة بشكل سلس وكأنها تقتنص نصّها المطلوب والمرغوب والبائس، حيث جعلتنا شريكاً لسد فراغات القصة، كانت تصور لنا تفاصيلها الموجعة حيث المرض العضال الذي يمتص آخر رحيق في جسدها ويسحب عصب الحياة، فاكتشافها إصابتها بالسرطان فتح عينها وقلبها على فئة من الناس تحتضر دون أن يحس بهم أحد، فاستطاعت هي أن ترسم أوجاعها غضبها وأمنياتها الأخيرة بالكلمات، وخوضها في تجربة اختيار طريقة الموت للمحتضرين حتى تؤكد أحقيتها في رسم شكل لموتها فتبقي على حريتها معلّقة في فضاء لحظة تمر وكأنها الضوء يخترق بؤبؤ عينك، هي نبيهة لكل التفاصيل حولها لتسجل بإحساسها المرهف والذي ما عاد يحتمل، همهمات الناس، وصمت الأنفاق، وانفراجات الطرق السريعة، وتتخُيل أنها تبحر في سفينة الحياة بلا بوصلة ثم ترتطم بشدّة بصخرة الموت القاسية، استطاعت تايلر أن تشرح الكثير من مشاعرها وأحاسيسها بفلسفة تأملية عن الموت وكيف تكون وأنت موارب باب روحك تنتظره..! هذا الكتاب انطبق عليه مقولة الروائي التركي أورهان باموق: “أن نحكي حكاياتنا الخاصة، كما لو كانت تخص الآخرين، وأن نحكي حكايات الآخرين كما لو كانت حكاياتنا الخاصة”، هو عمل مدهش ويحتاج شجاعة تايلر.

جريدة الرياض