تنشط الذاكرة عادة عندما نمر بأماكن لامست مشاعرنا وتركنا فيها ذكريات معينة سواء سلبية أو إيجابية, والذاكرة هي البوم صور حي يصور يختزل يستنطق ويكشف, والإحساس أحياناً يرتبط بشعور خفي وإسقاطي على مكان أو صورة, رائحة, أو صوت, وقد شاع بين الروائيين التنقل من مكان إلى آخر لمعايشة الحدث وللشعور بالمكان, والروائي آرنست همنغواي “كان ينتقل إلى شقق مختلفة في أنحاء العالم ليستفيد من تأثير المكان على عالمه الروائي حين يكتب.”حيث المكان الذي يختزل الأحداث ويحفز الذاكرة, ويلجأ الإنسان للذاكرة أحياناً عندما يتذبذب حاضرة ويحدث له صدمة التغيير فتكون الذاكرة هي الحاضن لمشاعره الخائفة فتطمئن روحة وتصبح ذاكرته في فترة الأزمات مكرّسة لبث مشاعر الارتياح والإلهاء وأحياناً الملل، تتورط المشاعر مع العقل حين يقوم بتمثيل الروح وتبعاتها، تلك المشاعر التي تملك السلطة على العقل وتحتكر حق التفكير، يا ترى ماذا تحمل ذاكرتنا خلال هذه الفترة فترة الحجر الصحي، هل سنتذكر فقط المنزل والشارع وغرفنا التي تعودنا أن نجلس بها خلال الحجر الصحي؟ يا ترى ما الأحداث التي نستطيع أن نرويها بعد أن نتجاوز فترة الحجر المنزلي, هل هناك أشياء تستحق فعلاً؟ هل كنت مثلي تتفرج على صورك والأماكن التي زرتها وعبق ذكرياتها؟ وهل عندما شاهدت الأماكن التي زرتها في صورك الخاصة تبادر إلى ذهنك شخصيات قابلتها روائح تذكرك بالمكان بمعنى مشاعر خاصة بتلك الأمكنة والأحداث والتفاصيل، فالمكان له دلالات متنوعة وعلاقات متشابكة تربط ذاكرة الإنسان، وتجذبه كمغناطيس فيتفاعل كل منهما مع الآخر، فتنشأ علاقة خفية وخفيفة، مزدوجة وأحادية أحياناً، اتصال وانفصال، غالباً تتجسد في نصوص وصور وشعائر ومراسيم تستنطق وتستدعي أحداثاً مختلفة في تاريخ إنسان أو جماعة ما، فالمكان له حضور مختلف ويعبر عن الحالات الانفعالية، غالباً الذاكرة تخضع لقوانين المكان فهناك علاقة عميقة ومبهمة بينهما, وباعتقادي إن العلاقة جدلية بين الذاكرة والمكان, وتذكر الكاتبة الدكتورة سيزا قاسم: “أن العلاقة بين الإنسان والمكان من هذا المنحنى تظهر بوصفها علاقة جدلية بين المكان والحرية، وتصبح الحرية في هذا المضمار هي مجموع الأفعال التي يستطيع الإنسان أن يقوم بها”، ونحن الآن نعيش أحراراً في المنزل لا يوجد سلطة تمارس علينا غير الانتظار وأيامنا المتكررة، وتلك الذاكرة التي تحررنا من مشاعرنا المزعجة.
الإشتراك
تسجيل الدخول
0 تعليقات