التقيت قبل فترة بزميلة روائية، وكان جُل حديثنا يدور حول الثقافة والنقد والإبداع، وكانت تتساءل: هل هناك حركة نقدية حقيقية للأعمال التي ينتجها المبدعون؟ والأهم هل هناك إبداع حقيقي؟ بدت زميلتي يائسة وممتعضة بعض الشيء وهي تسرد تجربتها في عالم الكتابة وتشتكي من عدم وجود نقاد يتتبعون الأعمال الأدبية على اختلاف أنواعها ليدرسوها ويحللوها ويقيموها ويبدون ملاحظاتهم عليها وفق مناهج نقدية وأسس علمية تتجه نحو النص لا كاتب النص، وبدأت وتلوم عصر التفاهة ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت من الملهيات لا من الملهمات، الواقع أننا لا نجد نقداً حقيقياً ومكثفاً للأعمال الأدبية، وبوصلة زميلتي تتجه للسوداوية والتشاؤم، ولكن لا يعني أن تتعرض لتجربة مخيبة للآمال أنها ممكن أن تتكرر، والحقيقة أن حركة النقد لم تستطع أن تواكب حركة الإبداع، فالإبداع أبوابه كثيرة ومتسعة ويصعب على الناقد ملاحقتها كلها، ولكن يقع عليه المسؤولية عندما ينقد ألا يرفع المكسور، وألا يتساهل في قبول منتج إبداعي ضعيف ونقده وتقديمه للجمهور بشكل أكبر من حجمة، بمعنى ألا يتعامل مع النقد لتصفية الحسابات أو رفع قيمة من لا يستحقون، كذلك المبدع يفترض لا يصنف نفسه ولا يحشر نفسه وسط معمعة الألقاب، بل يعمل في الخفاء ويتدرج ويتطور حتى يأتينا إبداعه المغاير بلا زركشات أو تنميق، وقد قال في هذا الشأن العالم الفرنسي موشيه: “على كل من يريد إحراز هويته أن يتعرف نفسه بشكل وجداني، وأن يُحدد مواطن الضعف والقوة فيها، وأن يسعى إلى ترميم مواطن الضعف والنقص في نفسه، ولا يتأتى ذلك إلا لذوي الأرواح الشجاعة، إذ يتفردون في ساعات من التفكير والتأمل”. والمبدع الواعي يكون بعيداً جداً عن التصنيفات والبصمات التي يشكلها الآخرون له بغية قولبته وتأطيره حسب أهوائهم ورؤاهم، فعندما تكون الحياة مشحونة بالانطباعات وغنية بالأحداث هي حتماً فرصة للمبدع بأن يكتبها بكل ما فيها من جماليات وقسوة وألم ورعب، وللفيلسوف وليم جيمز -الأستاذ في جامعة هارفرد- قول: “لو قسنا أنفسنا على ما نحن عليه لوجدنا أننا أهدرنا نصف وجودنا”. بمعنى أننا لا نستفيد الاستفادة العظمى من الطاقة الكاملة لدينا بشكل إيجابي للتخلص من كل ما علق بنا من العالم القديم المترهل، لبناء عالم أفضل تتداخل فيه الأفكار القيمة والإنجاز العالي والطاقة المتدفقة، لنصبح أفضل مما نحن عليه، لذلك على المبدع ألا يلتفت لشيء ويواصل إبداعه.
الإشتراك
تسجيل الدخول
0 تعليقات