في هذه الأزمة التي ألقت بظلالها على الصحة والاقتصاد والحياة الاجتماعية حيث تعاملت معها الدول بسياسات مختلفة لم يتم اتخاذها منذ الحرب العالمية الثانية للتعامل مع هذه الجائحة وإيقاف تمدد هذا الفيروس الذي كلف الكثير من أجل حماية الأفراد منه، ولا يمكن أن نذكر هذه الجائحة إلا ونتذكر ما قامت به المملكة لحماية المؤسسات الاقتصادية والفئات الاجتماعية الهشة حتى لا تتضرر بهذه الجائحة.
والآن وبعد مرور أكثر من شهرين على الإغلاق الصحي والحجر المنزلي وقرار بداية عودة الحياة الطبيعية تدريجياً إلا أننا مازلنا قلقين منه، كذلك تلك العادات التي اكتسبناها من خلال جلوسنا في البيت ومواجهة أنفسنا بشكل مباشر وفجأة دون سابق إنذار، فبين عشية وضحاها تغيرنا كثيراً، انخفض منسوب توقعاتنا تجاه الأشياء، والضجيج الذي كنا نعيشه قبل كورونا لم يستوقفنا أبداً، كنا نأخذ صراعاتنا، قلقنا على الأسرة والعمل وغير ذلك من المسلمات التي لا يمكن أن تتوقف بأي حال من الأحوال، وفجأة تأتي جائحة كورونا لتغير خارطتنا النفسية والحياتية وتقلب الأمور رأساً على عقب فكم من عمل توقف، وكم من سفر مهم جداً ألغي وكم من أمور اجتماعية من زواج وغيره تأجل إلى حين، ثم ماذا؟ لقد كانت هذه الجائحة أكبر من توقعاتنا لها، هزت العالم دون ترتيب مسبق، جعلتنا نفكر بالأولويات، وبعد الحجر المنزلي الذي لازمنا فترة طويلة تأرجحنا ما بين حجر جزئي أو كلي، وبعد تدابير الإغلاق لكل شيء قد تصبح العودة للحياة الطبيعية ثقيلة بمعنى الخروج للعمل والزيارات والتسوق وغيرها تجعلك تفكر وأنت خائف ماذا لو خرجت وأصابني الفيروس رغم احترازي؟ ماذا لو خرج أولادي هل سيصابون أم لا؟ ماذا لو خالطت حاملاً للفيروس ممن لا تظهر عليهم الأعراض؟ هذه الأسئلة القلقة تصعّب فكرة العودة للحياة الطبيعية، وربما يصاب البعض في العالم بظاهرة طبية جديدة تسمى “متلازمة الكوخ” والتي تتمثل في صعوبة مغادرة الأشخاص للمنزل الذي أصبح ملجأً يحميهم من الفيروس الجديد، حيث أصل هذه الظاهرة تعود إلى العام 1900 عندما ظهر على الصيادين والمنقبين عن الذهب في الولايات المتحدة الأميركية، كان الخوف والقلق يسيطران عليهم من جراء خروجهم من الأكواخ التي يعيشون فيها فترة طويلة.
حيث ينتابهم خوف شديد يتحول إلى قلق خاصة للأشخاص الذين كانوا معزولين في أماكن ضيقة لفترات طويلة مثل الغواصين الذين يقضون فترة طويلة تحت الماء، تتحول مخاوفهم إلى سلوك وشكوك بالآخر الذي يكون معهم، وحالة من التكاسل والنعاس أو الأرق الشديد كلما همّ بالخروج. وهذا السلوك يؤدي إلى التشويش على الإنسان المصاب مما يدفعه إلى اتخاذ قرارات غير منطقية ولا تخدمه، لذلك من الضروري الانتباه لمن يعيشون معنا ربما يصعب عليهم الانطلاق نحو الحياة بعد الحجر المنزلي الطويل، فهم يحتاجون إلى تدريب وتطمين للنفس والمزاج على ضرورة الاختلاط بالناس والحياة من أجل صحة نفسية سليمة ومن أجل إكمال مسيرتنا في هذه الحياة.