القراءة من أهم النشاطات للإنسان، هي فن تلتقي فيه جميع الفنون والثقافات والعلوم، هي مملكة الواقع والحلم، القراءة مثل القصيدة مهمتها إيقاظ الإنسان وإخراجه من بحيرات الركود والجهل، والقوالب السائدة والمألوفة، في عصرنا هذا بات الرجوع للكتب والقراءة المتأنية فضيلة الفضائل، والأكيد أن المعيار الأكثر دقة لنضوج المجتمع وتحولاته العميقة هو أن مثقفيه يعرفون تغيرات وتشكلات المجتمع من خلال الرصد وإخراجه كفن سردي أو بحث علمي رصين، وإزاء التمزق الإنساني العميق كان لا بد من العودة إلى الكتاب، قرأت مرة عبارة جميلة مكتوبة بشغف كتبها رئيس وزراء بريطانيا وليام غلادستون (1809 – 1898) العالم والمستشار المالي والخطيب المفوه حيث كان يعشق الكتب يرتبها ينمقها ويقدسها ويستمتع بلمسها وتنظيفها وإزالة الغبار عنها يقول: “يجب أن توضع الكتب بالضرورة في خزائن، والخزائن يجب أن يستضيفها منزل يُعتنى به، المكتبة يجب أن ينفض الغبار عنها، وأن ترتّب وأن تُصنّف.. يا له من مشهدٍ لعملٍ شاق، لكنه ممتع”. هذا الشغف المجنون والذي تكون عواقبه حميدة دائماً، جعل مكتبة “باول” في مدينة بورتلاند بالولايات المتحدة الأميركية، عندما تحولت من حلم وشغف إلى واقع مختلف ومميز.

حيث بدأت هذه المكتبة كشركة عائلية ولكن كانت عكسية، حيث بدأت من الابن إلى الأب، عندما قام مايكل باول بالاقتراض من البنك لعمل متجر لبيع الكتب، باسم والده والتر باول وكانت قيمة القرض ثلاث آلاف دولار عام 1970م بشيكاغو. كان الوالد يساعد ابنه في الصيف، وسرعان ما أعجب الوالد والتر بالعمل وأغرم به، أحب هذا المجال وعشق عالم الكتب، وسرعان ما رجع إلى بورتلاند وافتتح متجرا لبيع الكتب، حيث تتمثل حقيقة الإنسان الذي لا يعنيه غير الأشياء المرتبطة بروحه، بعدها لحق به ابنه، كبرت ونمت هذه المكتبة حتى أصبحت كما يقولون “أكبر مكتبة مستقلة في العالم”. وتسمى “مدينة الكتب” حيث تحوي مليون كتاب وأصبحت مكتبة “باول” في “بورتلاند” أحد المعالم السياحية. هذا النموذج الشاهد على الحب بدأ بحلم صغير ولكن حلم محب كبر حتى غشى هذا الحب النقي أرجاء المدينة، تعامل مع شغفه بصدق ورؤية واضحة وتحولت إلى حقيقة استفاد منها كل عشاق الكتب.. يا ترى لو كل إنسان تعامل مع شغفه بهذا الإصرار، ماذا كان سيحدث؟، ولو أننا استنسخنا التجربة في بلادنا العربية وأنشأنا مدينة للكتب، وجمعنا فيها أمهات الكتب النادرة وغير النادرة هل سيحدث فرق في وجود هذه المدينة في العقل الجمعي وحركة الوعي العلمي والثقافي؟.

جريدة الرياض