الرواية نت – خاصّ
تحكي الروائية السعودية زينب إبراهيم الخضيري أنّ شغف القصّ يسكن كيانها منذ صغرها، وأنها كانت تروي حكاياتها بشكل فطري على والدها، ووالدها بدوره كان يقصّ عليها قصصاً كثيرة شكلت شرارة التكوين بداخلها لحب القصص..
تشدّد مبدعة “هياء” على أنّ الرواية العربية نهضت في الحياة الاجتماعية والثقافية، وشغلت مكانة في الوعي الجمعي وهي جزء من الهوية الثقافية العربية..
في حوارها مع الرواية نت تصرّح الدكتورة زينب الخضيري، وهي كاتبة في صحيفة الرياض، عن جانب من آرائها في قضايا أدبية وإبداعية، وما يتعلق بصناعة الكتاب، وبالترجمة، والجوائز، وغيرها من مسائل هامّة..
– كيف تقيّمين تجربتك مع القراءة؟
أعتبر القراءة عطشاً وارتواء، شغفاً ونهماً، حبّاً ولقاء، فالقراءة قوة داخلية تغذي روحي وتغني فكري، فأنا أقرأ للبحث عن الحقيقة والمعرفة والمتعة، فهي مضادة لكل فيروسات الجهل وانخفاض الوعي، وتجربتي مع القراءة فيها الكثير من المتعة والتعب والصعوبة أحياناً، وغالباً تكون القراءة عسيرة عليّ لأنها تكون مبنية على قراءات ومعلومات سابقة، واحياناً تكون سهلة وكأني أطأ جزيرة لأول مرة وأحاول اكتشفها بشغف، فغرامي بالقراءة مستوطن روحي، وينساب في عقلي كالنهر العذب، واعتبر تجربتي مع القراءة جيدة جداً وأنا وفيّة لها، وأكتب كثيراً ولكني أقرأ أكثر، وأتمنى أن “أعيش مرتين” لأقرأ أكثر وأكثر.
– ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟
أغلب أعمال فيودور دوستويفسكي، حيث أنني أحتفظ في مكتبتي بالأعمال الكاملة، له أثرت فيّ، فهو صوّر لنا أعماق النفس البشرية، شرّحها وشرَحها بطريقة فلسفية، حيث تناول الأخلاق والغفران والإيمان. وأعتبر أعماله مدرسة فلسفية إنسانية تنفذ للعقل وتستوطن الروح، مثلاً روايته الأخوة كارامازوف تتحدث عن الإنسان وعلاقته النفسية بما حوله، وكأنه يفصّل سيكولوجية الانسان ووضعه الاجتماعي والديني والسياسي. كان دوستويفسكي يكتب بكل شفافية وحب، وعلى الرغم من طول رواياته إلّا أنها لا تصيبني بالملل.
ما الرواية التي تتمنين لو كنت مؤلفتها؟
لا تشغلني هذه الفكرة فكل كتاب مرّ علي تعلمت منه شيئاً، والواقع أنني لا أحب أن أتشبه بغيري وأحب أن تكون تجربتي مختلفة، إن كان ولابد أن أجيب وبالذات عن الرواية والروايات أجناس وأنواع، وتعتمد بالدرجة الأولى على ذائقة القارئ، ورواية كافكا “المسخ” كنت أتمنى أنني من كتبها. ذات يوم قال كافكا: “إننا نحتاج إلى تلك الكتب التي تنزل علينا كالصاعقة التي تؤلمنا، كموت من نحبه أكثر مما نحب أنفسنا، التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا إلى الغابات بعيدًا عن الناس”. وفعلاً كتب روايته المرعبة المسخ، وكأنك تتجول في عقله الغريب، وعالمة البائس التكوين. مازلت أقرؤها كل مرة وأكتشف شيئاً صادماً في كل قراءة.
أيضاً رواية “باولا” لإيزابيل الليندي، بيني وبين هذه المؤلفة علاقة روحية تتجلى في استشهادي بكل ما تكتب، وإحساسي بما لا تكتب، تطربني كتاباتها النابعة من وسط أعماق الأنثى؛ الأم الأخت والابنة. استمتعوا معي بهذه العبارة لإيزابيل: “يوم اَخر من الانتظار، ويوم ينقص من الأمل. يوم اَخر من الصمت، ويوم أقل من الحياة الموت يمضي طليقاً في الممرات ومهمتي مشاغلته حتى لا يجد الطريق إلى بابك”.
كيف ترين مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟
لا ننكر أن الرواية العربية نهضت في الحياة الاجتماعية والثقافية، وشغلت مكانة في الوعي الجمعي وهي جزء من الهوية الثقافية العربية، والرواية من أقدر الاجناس الأدبية على فهم الواقع ورصد حركته ومآلاته، وهي إن واكبت الحاضر وتعددت مواضيعها وتجددت أدواتها وطرق تناولها لقضايا المجتمع وغيره لن تتزحزح مكانتها أمام الصورة، ثقافة الصورة تخدم الرواية وخدمتها منذ الأزل، فأعظم الروايات العالمية تحولت إلى السينما وعرفها الجمهور من خلال الصورة وليس الكتاب، لذلك أرى أن مستقبل الرواية سيزدهر أكثر في ظل التداعيات الآن، وخاصة أنّ العالم كله الآن محتجز في المنزل من أجل فيروس كورونا الذي قلب الموازين العالمية، وبرأيي أن هذا الحدث سيخدم الرواية وربما ينتج لنا رواية بمواصفات جديدة.
كيف تنظرين إلى واقع النقد في العالم العربي؟
أنا معنية بإنتاج الإبداع، لذلك أحاول دائماً أن أزود نفسي بالمعرفة، والنقد هو أحد الأركان التي أتّكئ عليها وهو بالنسبة لي مثل نجم الدب القطبي في السماء يدلني على مواطن الكمال، الأكيد أن المبدع عليه مسؤولية عدم تكرار إنتاجه وأدواته بل عليه البحث دائماً عن الجديد والتجديد، والنقد ما هو إلا الترمومتر الذي يقيس مدى حرارة هذا الإبداع، والنقد في العالم العربي مثله مثل أي علم آخر مرتبط بحركة الوعي والتغيير، فالنهضة العلمية والاجتماعية والثقافية كلها تؤثر في الحراك النقدي، والإبداع والنقد كلاهما مكمل للآخر، ولا أستطيع الحكم على مستوى النقد في العالم العربي بسبب بسيط لأنه ليس لدي أي إحصائيات أستند عليها، ولست بناقد لأقيّم مستوى النقد، أنا مبدعة وأعتني بإنتاجي ومؤمنة بالتخصص.
– إلى أيّ حدّ تعتبرين أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟
لا اعتقد أن تجربتي أخذت حقها من النقد حتى الآن.
– كيف تجدين فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟
تسويق الرواية العربية ضعيف جداً نتيجة لعناصر كثيرة يفتقدها سوق الكتاب العربي، فلا يوجد لدينا صناعة للكتاب أو الكاتب حتى يتم تسويقه بشكل احترافي، فالتسويق يتم باجتهادات شخصية، لأننا نفتقر للعمل المؤسسي الذي يتبنى العمل حتى يصل إلى يد المستهلك “القارئ”، ونحن بحاجة إلى تبني هذه الصناعة حتى يخف العبء قليلاً عن الكاتب الذي يكافح من جميع الجهات، وعندما يؤمن المجتمع بأهمية الكتاب، وأنه لا غنى عنه ويصنف من الحاجات الأساسية للإنسان كالطعام والملابس، حينها ستزدهر الأفكار وتقوم الأعمال لصناعة الكتاب والكاتب.
– هل تحدّثيننا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟
منذ صغري وأنا بارعة في نسج القصص، وكل طفل له عوالمه البيضاء والمليئة بالشخصيات الخيالية، وكنت أروي حكاياتي بشكل فطري على والدي، ووالدي بدوره يقص عليّ قصصاً كثيرة شكلت شرارة التكوين بداخلي لحب القصص، وكان لقصص الأطفال المكتوبة والمصورة نصيب من هذا التكوين، أيضاً شغفي بقراءة الأدب العالمي وبالذات الأدب الروسي والأدب الفرنسي هو شرارة تكوين معماري الروائي، كذلك قراءاتي لأبرز الروائيين العرب “جبرا إبراهيم جبرا، وإميل حبيبي، وغالب هلسا، ومؤنس الرزاز، وعبد الرحمن منيف، وبهاء طاهر ، ومحمد زفزاف ، ومحمد شكري، وأديب نحوي، يوسف إدريس، كان لها الأثر البالغ في تكوين ذائقتي. والحقيقة أنني كنت أخاف الاقتراب من عالم الرواية لأنك تبني عوالم وتكوّن شخصيات تنمو وتكبر وتتحول وكأنك تشاهد حياة أخرى مثقلة بالتفاصيل، إلا أنني غامرت ونشرت روايتي “هياء” التي كانت الأولى على مستوى النشر والخامسة على مستوى الكتابة.
إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟
الجوائز تنقل الكاتب من جمهور صغير الى جمهور عريض، وتهيئ لتجربة الانتشار والترجمة على نطاق واسع ولكنها لا تصنع روائي حقيقي، وهي تخضع لذائقة اللجنة في تلك الفترة، بخلاف المعايير الفنية للرواية وفي النهاية تغلب الذائقة وتصويت اللجنة لذلك شاهدنا أعمالاً روائية عظيمة ولم تتمكن من الفوز، وأحيانا نرى روايات عادية أو فوق المتوسط وتفوز، هناك عوامل كثيرة تتواطأ للفوز بالجوائز، ولا أرى بأهميتها كثيراً في مسيرة الروائي فهي تحصيل حاصل لإنسان شغوف بالكتابة وعاشقة لها..
كيف تجدين واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟
الترجمة هي أداة تواصل بين الشعوب المختلفة لغاتها، وتاريخ الترجمة معروف من تاريخ الأندلس عند طبقة المستعربين حيث نقلوا من الفلسفة الإسلامية الكثير، ولن أتحدث عن تاريخ الترجمة العربية ولكني سأذكر مثالاً قريباً وأعتبره نموذجاً جيداً، وهو ترجمة أعمال نجيب محفوظ من قبل دينيس جونسون ديفيز، وكانت سبباً في حصوله على جائزة نوبل. كذلك ساهمت الجوائز العربية مثل البوكر التي ظهرت 2007م، في الترجمة وانتشار الكتاب العربي في الخارج. ولكن لا يجب أن نهمل أن الترجمة هي سوق كبيرة وتجارة تخضع للعرض والطلب لذلك دور النشر الأجنبية لها شروط في الترجمة تخدمها في سوق النشر والتسويق. والواقع أنه لا يجب أن نعتمد على دور النشر فقط في الترجمة بل يجب أن يكون هناك مراكز أو هيئات ثقافية تموّل الترجمة وتحفظ للمؤلف وللمترجم حقهم، وأنا بطبيعتي متفائلة وأرى أن للترجمة العربية مستقبلاً وقد سعدت جداً بفوز الصديقة جوخة الحارثي بجائزة “مان بوكر” هي والمترجمة الرائعة مارلين بوث، فالترجمة هي عملية إنتاجية مشتركة.
وفي المملكة العربية السعودية خطت وزارة الثقافة خطوة جميلة وهي مبادرة ترجم وأتمنى أن يكون لها أثرعلى المدى البعيد. ولا يجب أن أغفل العوائق والتحديات التي تواجهها الترجمة في العالم العربي فهي مرتبطة بمدى التطور العلمي والتقني لبلداننا العربية، والملاحظ أن الترجمة من العربية وإليها غالباً مقتصرة على الأدب ونحن نحتاج للكتب العلمية التي تنقل الينا المعرفة، ونحتاج لتكثيف الترجمة للغات الأخرى حتى ننقل تاريخنا وثقافتنا عبر هذه الوسيلة ولتصحيح الصورة الذهنية عنا بنقل نتاجنا العربي.
ما هي رسالتك لقرّائك؟
القراءة ليست وجاهة، ولكن اقرأ شيئاً تحبّه وتستمتع به، حاول أن تبحث عن المعرفة، ولست مجبراً أن تحتفظ بكتاب ورقيّ، وتستطيع أن تنهل المعرفة من مصادر مختلفة متاحة كمنصات التعلم، الأفلام الوثائقية، البودكاست، التليغرام، اليوتيوب وغيرها، كذلك ضع لنفسك أهدافاً محددة وبرنامجاً معيناً وعدد ساعات معينة للقراءة ولن تحسّ بالملل، وتأكد أن ما تقرأه هو ما ينعكس على داخلك، فالمدخلات الجيدة تنتج مخرجات جيدة.
د.زينب إبراهيم الخضيري: روائية وكاتبة سعودية.