أجد في هذه المساحة الشرفة المناسبة لأطل على الساحة الفسيحة التي تعج بالاختلاف، وأسعد عندما تأتيني إيميلات ورسائل من القراء تخالف أفكاري أو توافقها، فبعض الرسائل تأتي محملة بأفكار مدهشة ونصوص ثرية، لذلك أؤمن بأبجدية الصلة بين الفكرة والإنسان والشرط التاريخي لها؛ لذلك فإن المعركة ضد العدو الأيديولوجي وهو الجهل المليء بكل صنوف الانغلاق والعنصرية والفردانية، والتصدي له يكون من خلال البحث عن المعرفة ونشرها وتعلم طرائق التفكير والتعود على عدم التسليم لأي فكرة من أي إنسان مهما كان، وهذا أول خطوات البحث عن الحقيقة، فتعليم العقل كيفية الشكّ والتفكيك والتركيب، والتعلم على مبدأ التفاوض والاختيار والاختلاف والتجريب ورفض أي شيء يُعرض على أنه جاهز وكامل، ووضع مساحة للأفكار الأخرى المختلفة عن الأفكار السائدة، هذه هي أولى خطوات التغيير، فإذا كانت قيمة المنتج تكمن في أهميته الاستعمالية فإن أهمية (المنتج المعرفي والفكري) تكمن في قوة ثباته وتطبيقه على أرض الواقع وفرضه على المجتمع لإنتاج فائض القيمة التي ينتفع بها المجتمع، وهذا من ثقافة التغيير الذي هو عبارة عن مسار ذي بعد فكري وقيمي وهو مرتبط بناموس الحركة والتدافع في الحياة، فالتطور الخلاق الذي مر على البشرية لم يكن إلا وليد أفكار ومعارف تم تطبيقها والإيمان بها ولم تستكن المجتمعات عندها بل تحركت ثم تغيرت، فثقافة التغيير تجعل المجتمع يصبح ذاته، ولكن هذه الثقافة نتائجها بطيئة والأهم أن يكون التغيير كمنظومة وليس اختزالها بفرد أو مجموعة معينة. فالتغيير متعدد الوجوه والواجهات، وهو عمل اجتماعي ثقافي، ويأتي التغير النوعي في المجتمع من ثقافة التغيير المرتبطة بمنظومة متكاملة في الفكر والإدارة والسياسة والتجارة والاقتصاد والرياضة وطرق وأساليب التربية والتعليم، ولأن الثقافة هي التي تجمع المتناقضات لذلك لابد من تقبل الانفتاح على الأفكار والرؤى الجديدة، لذلك اسمح لنفسك ببعض مساحات الاستقلالية الفكرية المنتزعة من روابط الأسرة والمجتمع والتزاماته، وكن نفسك التي تطمح لها دون السماح للآخر بالتدخل بقراراتك وآرائك وتوجهك بالحياة.
ثقافة أكيدة رغم البطء..!
جريدة الرياض