عندما يعيش الناس في بيئة واحدة فإنهم يتجاذبون أطراف الحديث نفسه، ويمارسون اليوميات نفسها ويتعايشون الحدث ذاته، لذلك يكون لدينا القدرة على قراءة ما يتقاتل داخل عيني هؤلاء البشر في بيئتهم الضيقة، وقد ابتكر الإنسان القديم عدة طرق للتواصل مع الآخر الذي لا يجيد لغته فكانت لغة العيون، ولغة الجسد، ولغة الوجه، ولغة المشاعر، حتى يتعرف الشخص على اللغة الأخرى ويندمج مع بقية أفرادها ويتواصل معهم، الغريب أن هذا الإنسان المخلوق العجيب والقادر على التكيف في أصعب وأدق الظروف، عندما يتبرمج ذهنه على فكرة أو معتقد ما فإنه يعيش بداخلها ولا يستطيع أن يتحرر منها بسهولة وأحياناً يقضي عمره كله وهو أسير أفكاره أو تصرفاته التي يعتقد بصحتها دوماً وأحياناً وهْم خلقه هو أو مجتمعه الصغير، أليس الأفضل هو التحرر من أجل أن تختلف نظرتنا للحياة أو حياتنا بكاملها؟ كثيرون منا لا يحملون منظوراً فلسفياً لبدء حياتهم، أو إعادة بنائها، ولكن باستطاعتهم أن يؤمنوا بأنفسهم وبإرادتهم فعمر الإنسان قصير جداً، لذلك ليس لدينا وقت لنقضيه بالشك والحيرة والأفكار التي تكبلنا، فالتحرر من المسلمات في زمن اللايقين والتغير المتسارع هو أفضل شيء نقدمه لأنفسنا، فبإمكانك أن تكون قوة إيجابية في وجه الفكرة الواحدة، فرحلة الحياة تكمن عظمتها وجمالها في أن نكون نحن على طبيعتنا دون تزييف فالحياة ليست مسابقة، والواقع أن أول سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا لنتحرر ونتغير هو: ماذا نريد؟ وما الذي يقيدنا فعلاً؟ والإجابة عنهما تختلف من شخص إلى آخر وتتطلب وعياً ذاتياً وخبرات وإيمان بالنفس وعدم الخوف من التغيير، فكل حدث في حياتنا سواء حزين أو سعيد هو بمثابة طريقة جديدة لاكتشاف ذاتنا واكتشاف حقيقة ما حولنا.
أتذكر مقولة لعالم الميثولوجيا “جوزيف كامبل”: رحلة البطل لا تنتهي حتى يعود إلى العالم الواقعي ويطبق ما تعلمه. وهذا يكون بفعل التجارب التي نمر بها ووعينا بماذا نريد؟ فالأسئلة التي نطلقها ماهي إلا امتداد للحياة الداخلية التي نرغب بها.
فعندما نرغب بعالم مختلف لا بد أن نكون نحن مختلفين في داخلنا، فالعالم لا يتغير ونحن لم نغير دواخلنا، لأننا بحاجة أن نعرف ماذا نريد؟ وما نعتقده من أجل أن نتحرر من الخوف والفوضى العقلية والركود الذي قد ينتابنا، فهي محاولة للإبقاء على أفضل الجوانب في حياتنا لنجد أنفسنا ونخطط لحظنا ومستقبلنا.