يعيش الإنسان وهو يبحث عن سعادته، هذه السعادة التي لا تأتي وكأنها “غودو”.. هذا الانتظار الطويل والمرصوص كأرصفة الموانئ، لماذا؟ ماهية السعادة غير محددة وغير معروفة، وكل إنسان له رؤيته عن السعادة، ولكنها ترتبط عادة بالرضا والراحة، ينظر أفلاطون إلى السعادة على أنّها عبارة عن: “فضائل الأخلاق والنفس؛ كالحكمة والشجاعة والعدالة والعفة، وبأن سعادة الفرد لا تكتمل إلا بمآل روحه إلى العالم الآخر”. ورأي أفلاطون يذكرني بالمجلات المصورة التي نقرأها قبل النوم؛ حيث كل شيء مثالي هناك. والواقع يختلف عن ذلك، فهناك شروط صانعة للسعادة، ولكنها خارجة عن سلطة الإنسان، ولطالما بحث الإنسان عن السعادة وهو لا يعلم ماهيتها، وفي رواية “أنّا كارنينا” بدأها تولستوي بمقولته الشهيرة: (كل الأسر السعيدة يشبه بعضها بعضًا، أما الأسر الشقية فلدى كل منها أسبابها الخاصة التي نجم شقاؤها عنها). وكأن السعادة لها معيار واحد؛ لذلك السعداء يتشابهون أما الأشقياء فمختلفون، هذه المقولات لا تتناسب إلا مع ظروف قائلها وفي وقتها، فاختلاف وعي الإنسان وإدراكه لما حوله يجعل شروط السعادة مختلفة، البعض يرى السعادة في تحقيق إنجازات، أو الحصول على المال، الحب أو الأسرة الممتدة، والأكيد أن السعادة لا يوجد ضمان لاستمراريتها، فبعد الحجر الصحي يا ترى ما شرط السعادة؟ وما الذي يمكن أن يستغني عنه الإنسان في هذه الأوقات يا ترى؟ أن تكون صحيحًا وغير مصاب بالوباء وتنجو منه، فأنت سعيد، إذن رؤيتنا لمنظور السعادة اختلف الآن، هذا معناه أن السعادة وقتية وليس لها معيار كما يفرضها علينا الفلاسفة والحكماء، فالإحساس بالطمأنينة سعادة، الوقوع في الحب سعادة، مشاركة الآخرين سعادة، الاستمتاع بما نملك سعادة، الغفلة أو التغافل سعادة، وأتفق أحيانًا مع جوستاف فلوبير حينما قال: “أن تكونَ غبيًا وأنانيًا وبصحةٍ جيدة، هي ثلاثة مُتطلباتٍ لتتحققَ السعادة، ولكن بدون الغباء يغيب كُلُّ شيء”. وأخيرًا ربما السعادة حالة عقلية تعتمد على ما نعتقده نحن وما نظنه.
الإشتراك
تسجيل الدخول
0 تعليقات