في جلسة صفاء مع بعض الصديقات اشتكت إحداهن من صعوبة التربية في هذا الوقت، وأنها تواجه تحديات كبيرة في تربية ابنها المراهق، ففُتح الحوار على مصراعيه وتوحدت الشكوى حول تحدي التربية في عصر الإنترنت، تربية مشحونة بالتدخلات المباشرة صوتاً وصورةً، ومليئة بالإرهاق والمراقبة والمتابعة، لأن حياة أبنائنا أصبحت مختلفة، حياة منشورة للعلن وفيها الكثير من الملاحقات والتقليد للآخرين دون تمحيص وبشكل متسارع، وفيها الكثير من كسر الحواجز الأخلاقية والمفاهيم، ومن المتعارف عليه أن طبيعة المراهق هي البحث والاكتشاف والتسرع والخوض في كل شيء دون مراعاة للقوانين والقواعد الأخلاقية جعلت مواقع التواصل الاجتماعي هي المكان الأنسب للغالبية حيث إثبات الذات صوتاً وصورة وإشاعة حياته بكل تفاصيلها حيث يعيش بين الواقع والخيال ويستبيح ما لا يمكن استباحته في الواقع، فيصبح في عصر وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مجرد مراهق يجرب ويكتشف ولكن يصبح سلوكه كالمرآة العاكسة لطبيعة حياته، وتصبح بضاعته هي جسده الذي يظهره في لقطات مثالية بفلاتر جميلة وملابس بعلامات تجارية يحبها المراهقون فهو يصنع شخصية مثالية جداً، ويسهل تصديقها من قبل أقرانه فيخلق لدى من يتفرج على هذه الصورة إعجاباً أو عداءً أو حتى إحباطاً، فلا يعون أنها تمثيلية يومية يقوم بها المراهق أو المراهقة للفت الانتباه وليعيش وضعاً يتمنى أن يعيشه بمعنى أنه ترويج لصورة مزيفة يتمنى أن تكون، هذا الوهم الاجتماعي للأسف حتى بعض الكبار صدقوه، فالواقع تحوّل إلى واقع استعراضي مكشوف وممل. والسؤال كيف نتخيل شخصية هذا المراهق بعد أن يكبر وسط هذا الزيف والخداع الإلكتروني؟ هذه المنصات التي يتعمد المراهق الظهور فيها بكل حالاته وتكون هي سبباً في تقييمه ويجد نفسه ونجاحه من خلالها، كيف سيكون تأثيرها على القيم الأخلاقية والتحصيل العلمي له..! حيث وسائل التواصل أثرت على كثير من السلوك والقيم، وأدت إلى بناء نظم سلوكية جديدة وقيم أخرى مختلفة عن السائد، وسطت على التوجهات والأفكار والقيم، وفي ظل هذا النسق المختلف والمستجد يجب بناء منظومة وعي اجتماعي ثقافي تحدّ من توغل الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، وأعود لسؤالي: كيف ستكون شخصية هذا المراهق في المستقبل؟