تقف الذات مشدوهة أمام ما يحدث واقعياً للبعض، ولأنهم عاجزون عن استبدال واقعهم وما يحدث فيه من وقائع تجعل الهروب خلاصاً منه، يضحي الكثيرون بعلاقتهم فور أن تفقد بريقها الأول سواء كانت علاقات أسرية أو صداقات أو علاقات زوجية، والواقع أن فقد لغات التواصل، والخوف من المواجهة، واختيار الحلول السريعة السهلة هي الخيار الأول الذي يلجأ له البعض، ولكن لو فكر قليلاً لوجد أنها فقط تحتاج إلى نفخ لروح الحياة فيها من جديد، وتلميع ما علاه الصدأ فيها، وهذا التلميع يأتي على شكل مهارة الحوار والتواصل ومحاولة فهم الطرف الآخر، وفي مسرحية شكسبير «حلم منتصف ليلة صيف»: «قام جنّي لعوب بنشر رحيق الزهور السحرية داخل عيون البشر النائمين في الغابة، فوقع الجميع في الحب لحظة استيقاظهم من النوم، وتبع ذلك إعلان للحب وتظاهرات للتفاني فيه». هذا الحلم الجميل يدفعني للحديث عن سحر الحب الذي يجعلنا نحسّ بكل ما هو جميل ومميز في الآخرين، لذلك لا بد أن تكون مشاعرنا جاهزة للحب وللاحتفال بكل ما حولنا، فالاحتفاء بالتفاصيل الصغيرة التي تشغل أيامنا ضروري لانتشال الحب من زواياه، وتقدير ما بين أيدينا هو أس العيش بحب، والثقة هي العمود الفقري لأي علاقة إنسانية، وطبيعي أن تتعرض العلاقات الإنسانية إلى تحديات وتصدعات في مسألة الثقة بالآخر، ولكن ما يجب أن نعلمه لأنفسنا ولأبنائنا في وقت طغى فيه الحب المادي على الحب الحسي هو أن تحب كل شيء حولك وتتصالح مع مشاعرك مهما واجهتك صعوبات الثقة بالآخر، وأن تتتبع الاعتذارات الصادقة حتى تصل إلى قناعة المسامحة والتعويض عن الأفعال الخاطئة ومحاولة استعادة ثقة الآخر، وهذا يتطلب جهدا مضاعفا يفوق الجهود العادية، فاستعادة الثقة تتطلب وقتا وتفانيا وقوة، ولكن الحب يستحق أن نتعب من أجله، فهو مرتبط بالروح التي تحتاج لأن تهدأ وسط ضبابية المشاعر، فالإحساس بالحب نفقده عندما نفقد الثقة، لذلك الثقة مرتبطة بمستوى الحب والأمان في العلاقة، كذلك العطاء المتبادل، فالشركاء توجد بينهم دائرة تبادلية للعلاقات، فيكون هناك تبادل في الأخذ والحب والعطاء، وعندما يصبح سيل العطاء والأخذ من طرف واحد يختل توازن العلاقة، فيشعر أحد الأطراف أو كلاهما بالخذلان والإحساس بالخديعة والتهميش، وتبدأ عملية الحسابات في اللاوعي حيث التساؤلات العقيمة من يدين للآخر بالجميل، والاهتمام، والمشاعر، والعطاء، فهذه النقطة العمياء في اللاوعي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، حيث تتفاقم مشاعر الغضب والنفور حتى تنسحق العلاقة إذا لم يتم التعامل معها بعقلانية وحكمة، ومن أجل تجنب كل هذه السلسة من الألم وعدم التوازن لا بد من الوعي بالذات وبالآخر، ونعرف متى نعطي؟ ومتى نأخذ؟ فالحوار العميق والصراحة والوضوح والتفاوض الجيد، يعطوننا إحساسا بالأهمية، ويحافظون على تدفق سيل الحب والعطاء.