منذ صغري كنت مغرمة بالأفلام، ومن ضمن جدولي اليومي أضع فسحة لمشاهدة فيلم، وكلما شاهدت فيلماً محكم السيناريو والحوار والتصوير والإخراج أحس بالسعادة وينتابني شعور مختلف، فمشاهدة فيلم أحياناً يغنيك عن قراءة كتاب، فهو يترك الوعي يعمل، فالوعي لا يثير فقط الإشكالات في مسيرة التفكير من أجل الحقيقة والمعرفة، بل يؤصله ويكشف الجوانب المتعددة للتجربة والشخصية معاً، ومن أشهر الأفلام العالمية والتي أحببناها كانت أصلها روايات محكمة، وجدت سيناريستاً ومخرجاً جيداً ليظهرها لنا بأحسن صورة، فالعلاقة بين السينما والأدب علاقة أزلية، وقد بدأت من (جريفيث) أول كاتب قصة وشاعر يأخذ طريقه إلى عالم السينما، وقد أخرج أول فيلم في تاريخ السينما، وهو فيلم (مولد أمة) الذي أنجزه العام 1915م، وهذه العلاقة تقدمت حتى وصلت إلى مرحلة متطورة، حيث لعبت الرواية دور البطولة في هذه العلاقة حتى توطدت العلاقة، وكذلك التلفزيون كان له حظ أوفر، إلا أن المتتبع للسينما العربية، والدراما الخليجية يجد أن هناك أزمة في كتابة السيناريو، ومازالت الأزمة مستمرة رغم التدفق العالمي لصناعة الدراما ورغم ما تدفعه لنا النتفليكس وغيرها من الشبكات، والتي تأتي لنا كل يوم ببدعة جديدة من المسلسلات والأفلام، وقد كتب الراحل مهدي الصقر في كتابه “وجع القراءة”: “من أجل كتابة مقطع صغير على هيئة سيناريو، قرأت عدداً من سيناريوهات الأفلام وكتباً عن السيناريو، تمكنت بعد ذلك من كتابة هذا المقطع”، أعتقد أن قول الصقر هذا يؤكد ضعف علاقة الكاتب العربي بنصوص السيناريو، وبالتالي ضعف خبرته في هذا الجنس من أجناس الكتابة، وهذا ما أدى إلى ضعف ما يقدم للمشاهد الذي أصبح لديه معايير وأبعاد من خلال المقارنة بين ما يطرح في السينما والدراما العالمية وبين الدراما المحلية، وقد قرأت ذات مرة أن المخرج السينمائي الروسي (أندريه ناركوفسكي) كتب في دفتر مذكراته: “نلتقي أحياناً مع إنسان يبدو واسع الاطلاع، يعرف الشعر والرسم والموسيقى بشكل رائع، ويقول لك: إن فيلمك يعجبه كثيراً، فتشعر بالارتياح ثم ما إن تبدأ الحديث معه حول الفيلم حتى يتضح أنه لم يفهم شيئاً”، أتساءل هل هذا النقص في الثقافة السينمائية الذي يشير إليه ناركوفيسكي أحد أسبابه النقص في قراءة السيناريو، واختيار القصة مادة الفيلم، ومن ثم تأمله ومعرفة أسرار العمل السينمائي في أدق تفاصيله؟
الإشتراك
تسجيل الدخول
0 تعليقات