لا أستطيع أن أتخطى ذلك الحوار الذي دار بيني وبين مجموعة من السيدات كن يندبن حظهن ويشتكين من عجزهن عن مجاراة كل ما يدور حولهن، وعندما اقترحت عليهن ألا يكترثن لما حولهن ويركزن على أنفسهن، خرج لي صوت إحداهن وهي تتحدث بسرعة وذعر وكأنه يجري خلفها كلب مسعور قائلة: أخاف أن تفوتني الأشياء..! بدتْ لي بمشاعر محبطة وحزينة جداً، فهي تعتقد أن كل ما حولها يتقدم إلا هي، وربطتها بالفرص في الحياة والبحث عنها أو انتظارها، لمست من معاناتهن أن المعنى ليس الفرصة بحد ذاتها وإنما عجزهن عن مجاراة كل ما حولهن فقد ربطناها بعوائق كثيرة تقف في طريقهن. تأملت حالهن وسط كل ما يشتت انتباهنا ويرفع معدل القلق والإحباط لدينا، كيف يمكن أن نتعامل مع بعثرة الذهن والخوف من فوات الأشياء من حولنا، هذا الوهم الذي يفتك بنا دون أسلحة، ويهزمنا دون معارك، كيف يمكن أن نتجاهله ونتخطاه؟ إن خوف هؤلاء السيدات نابع من حالة “فومو” FoMO Fear of missing out وهي حالة عامة تدفع الأشخاص إلى الرغبة في أن يكونوا على اتصال دائم خوفاً من فوات حدثٍ ما لا يُشاركون فيه، هذه الحالة تُصيب مُعظم من لديه حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، يُسبب الأمر قلقاً قهرياً خوفاً من فقدان علاقة اجتماعية، وتؤكد هذه الحالة بأن الشعور بالارتباط أو الترابط مع الآخرين هو حاجة نفسية مشروعة تؤثر على الصحة النفسية للأشخاص. “ويكيبديا”. إن فنية التعامل مع القلق الذي يحصل للبعض والذي ينتج من السمة التراكمية للخوف من فوات الأشياء تجعل الشخص قلق هش سهل التشتت وعليه أن يركز انتباهه بشكل فعال في حياته، ولكن هذا يعتمد على الصلابة الذاتية، إلا أن البعض لا يمكن أن يتحكم بمشاعره وينساق وراء البحث عما فاته من الأشياء فيستنفد كل طاقة لديه. إن مراقبة ما حولك هي التي تحدث هذه الفجوة المخيفة مما يجعل طريقاً ممهداً للسؤال الحار والحائر الذي يحمله الواقع عن كيفية فهمنا لتلك الذات بداخلنا والتي تنزع إلى الخوض في معرفة وعيها دون خداع أو زيف وبكل ثقة؟ وهل كل هذا القلق المرتبط بالأثر المادي المنقضي، للخوف من فوات الأشياء فعلاً يستحق كل هذا الهلع؟ إنك قد تسلخ من عمرك سنوات كثيرة لا إنجاز لا شيء سوى ملاحقة ما تعتقد أنه يفوتك، وفي هذه الحالة يأتي دور علماء النفس فهم شركاء رئيسون في صوغ ما يحدث للنفس البشرية، والحفاظ على حياة الفرد ونفسيته، وإنماء وتوليد الاحتمالات، وبسط سلطان العلم ليخدم هذا الشيء اللا مرئي. إن كل شيء إلى زوال، ولعل ما يميز جوهر الوعي يتمثل بالتفكير والتأمل في النفس والوعي بالذات ومعرفة نقاط ضعفها قبل قوتها ومحاصرة القلق السلبي الذي يجمد دم الحياة فينا. فكلما توقفت في مكان كلما شعرت بالأمان بشكل أكبر، لذلك توقف عند ذاتك قليلاً وتأملها وستشعر بالسكينة.

جريدة الرياض