من منا لا يحب الكتب؟ من منا لا تبهجه رؤيتها وملمسها؟ ومن منا لا يتحرق للاحتفاء بمعارض الكتب ويتهيأ لها وكأنه ذاهب لحفل زفاف؟ هذا التعلّق الجميل قد يتحول لدى البعض إلى هوس يسمى بـ متلازمة هوس الكتب Bibliomania أو جنون الكتب، وهذه الحالة هي عبارة عن اضطراب نفسي، حيث إن جامع الكتب يحس بسعادة شديدة وبهجة كبيرة جداً عند رؤيته للكتب، فيبدأ بجمع الكتب وكأنه يجمع مجوهرات، ويكون لديه شهية مفتوحة وشراهة لاقتناء الكتب المفيدة وغير المفيدة، ومن أعراض هذه الحالة الحديّة هي عدم قراءة الكتب مجرد جمعها والاحتفاظ بها ومن المحال أن يقرضها لأي شخص، فكلما كبرت مكتبته كبرت سعادته، ولا يمكن أن نسمي “عشاق الكتب” بالمهووسين فهناك فرق بينهما، فعشاق الكتب هم أناس محبون للقراءة يبنون علاقة مع أي كتاب يقرؤونه، فعاشق الكتب عندما ينتهي من قراءة كتاب ويطويه على غلافة الأخير يصاب بفراغ كبير، ويحس أن الزمن توقف، فلا شيء يضاهي عقارب النهايات عندما تدق معلنة الرحيل، فقد نطوي الكتاب ونقفله على أجزاء منا بقينا معها بكل ود، وسبرناها بنظراتنا مع كل سطر، لأن فعل القراءة هو حياة، ومشاعر مكتملة النمو تكبر وتكبر حسب مدة قراءتنا للكتاب، فليس غريباً أن نحس بالحزن عند إتمامنا كتاباً، فنحن نشعر أننا سنفقده، وهذه المشاعر تتولد عندما نعيش التجربة أياً كانت، ونتوغل داخل تفاصيلها بحالة حب صوفي مكتمل الأطراف، وكأننا نطل من شرفة على فيافي الروح، فعشق الكتب أشبه بنسيم أخاذ يلتف حولك ويبعث على النشوة، وكأنك تستمع لقصيدة عذبة قيلت في الحب والصبابة والجوى، فعشق الكتب جلال وجمال، يغمر الروح ويغذي العقل ويفيض مطراً من الامتنان لهذه النعمة العظيمة، وعندما ألتفت لهذا الجمال أتذكر أن الحياة لازالت بخير ولازالت تفتح ذراعيها لنا بكل حميمية، فالنهايات التي تحزنني عند انتهائي من قراءة كتاب، ما هي إلا بدايات لطريق آخر أسلكه مع كتاب يشبع عقلي ويدفئ روحي، فهذا العشق المجنون لا يمكن التنازل عنه فهو عشق حميد يسهل علينا حياتنا ويحببنا فيها.

جريدة الرياض